الجمعة، سبتمبر 28، 2012

الجغرافية في عصر المعلوماتية

مقدمة : تباينت المدارس الجغرافية في فهمها لدور الجغرافية والجغرافيين في المجتمع ، وانقسم الجغرافيون إلى معسكرين أساسيين ، الأول تقليدي ، يرى بأن الجغرافية علم شمولي يستعير من العلوم المكانية الأخرى مادته ، فيولف بين محتوياتها ويخرجها بقالب جغرافي ، يربط من خلاله بين العناصر المختلفة المؤثرة والمتأثرة ، والتي يجمعها مكان واحد ، ويذهب بعض أصحاب هذا الاتجاه إلى القول بأن الجغرافية علم يعيش على فتات العلوم الأخرى ، ويقول بعضهم إنها في طور الحياة الأخير ، وأنها علم بلا هوية (1). بينما يؤمن الجغرافيون في المعسكر الثاني بحاضر الجغرافية ومستقبلها ، ويرون هويتها بوضوح ، مع ارتباطها بالعلوم الأخرى ، وأنها تشكل توليفة من الفروع الجغرافية التي لا بد من التخصص بكل منها عند إعداد الجغرافيين في المستويات الجامعية والعليا ، وإن تعمق الجغرافي المتخصص بفرعه إلى الدرجة التي تسمح له بفهم قوانين نشوء وتطور وتوزع وعلاقات المظاهر الجغرافية المدروسة ، لا يعد خروجا عن الجغرافية ، بل تدعيماً لها (2). مع الأخذ بالاعتبار أن أهم ما يميز الدراسة الجغرافية ، هو البحث المنظومي الذي يعني تناول العناصر المتشاركة في المكان والمتبادلة التأثير والتأثر . ولذلك فإن الدراسة المنظومية تستدعي في معظم الأحيان فريق عمل من تخصصات جغرافية مختلفة ، بل قد يكون من المناسب مشاركة متخصصين آخرين في علوم غير الجغرافية لإنجاز للبحث المطلوب.


لقد عملت مدارس جغرافية مختلفة على مبدأ التخصص ، والتعمق فيه ،بحيث يتم تخريج جغرافيين قادرين على ممارسة أعمال تطبيقية في مجال تخصصهم ، غير أن معظم أقسام الجغرافية العربية بقيت محافظة على الطابع التقليدي في تخريج الجغرافيين ،حتى السنوات الأخيرة ، حيث أيقظت ثورة المعلوماتية حفيظة الكثير من الجغرافيين العرب ،على ما بُدء به في العالم المتقدم في أوقات مختلفة ،على مدى العقود الأخيرة ، ولا سيما ظهور نظم المعلومات الجغرافية كأداة بحثية تعتمد منهج البحث المنظومي . فهذه النظم لا ترتبط بالجغرافية من خلال اسمها فقط – كما يرى البعض – بل تعتمد على طريقة البحث الجغرافية القائمة أصلاً على المبدأ المنظومي ، الذي تعني دراسة الظاهرة في محيطها .

لقد تم ابتكار الكثير من الأدوات الحديثة المساعدة على البحث الجغرافي ، وضمّنت معظم هذه الأدوات في نظم المعلومات الجغرافية ، التي تشهد استخداماً متزايداً ، وتطوراً مستمراً ، فأضحت هذه النظم قادرة على إظهار الواقع بما يكفي من الدقة ، والقيام بعمليات التحليل والتركيب المؤدية إلى وضع سيناريوهات مختلفة تساعد في فهم المتغيرات الجارية ، والتخطيط للمستقبل ، ودعم اتخاذ القرار.

ولعل المهمة الأساسية المطروحة أمام الجغرافيين العرب هي مواكبة هذه الثورة ، واستيعاب الأدوات الموجودة في البرمجيات الجغرافية ، بحيث يمكنهم ذلك من استخدامها بجدارة في تطبيقات مفيدة لمجتمعاتهم ، التي تواجه تحديات تنموية وحضارية كبرى فرضتها طبيعة العصر (3) ، يعيدون من خلالها السمعة الطيبة للجغرافية ، والطلب على الجغرافيين ، الذين يجب أن يكون لهم دور ريادي في الدراسات التطبيقية المكانية.

المعلوماتية والجغرافية :

لا يشك أحد من الجغرافيين أو سواهم الآن بعلاقة المعلوماتية بكل العلوم والتطبيقات ، لأنها اقتحمت مجالات عمل العلوم المختلفة دون استئذان ، وقُبلت برحابة صدر لأنها قدمت حلولا وبدائل لمسائل ملحة في ذلك العلم أو التطبيق وسواه .

والمعلوماتية التي تجذرت في النصف الثاني من القرن العشرين هي تعريب لمصطلح Informatics الفرنسي الأصل (Informatique) ،حيث تعني بمفهومها الحديث بأنها فرع علمي يهتم بطرق جمع البيانات والمعلومات ، ودراسة خصائصها وأساليب معالجتها وإعادة تنظيمها وحفظها وتوزيعها ( نشرها )،وتيسير سبل استخدامها في مختلف المجالات العلمية والعملية ، معتمدة في ذلك كله على تقنيات الحاسب الآلي وبرمجة العمل بواسطته بغرض إنجاز المهام المطلوبة بأقصى ما يمكن من الدقة والكفاءة والسرعة والتوفير في الوقت والتكاليف (4). وجاءت نظم المعلومات Information Systems كجانب من جوانب المعلوماتية يهتم بمجموعة البيانات والمعلومات المتعلقة بظاهرة واحدة أو مجموعة من الظواهر المرتبطة مع بعضها بتأثير متبادل تحكمه عوامل مكانية أو زمانية أو سواها . أما المعلومات الجغرافية Geo Information فهي المعلومات الخاصة بظواهر وأشياء لها ارتباط بالمكان ، أو هي جزء منه ، وبالتالي يمكن تحديد موقعها من سطح الأرض بواسطة شبكات الاحداثيات الاصطلاحية المستخدمة . من جهة أخرى فإن السمة الأساسية للبحث للجغرافي هي دراسة الظاهرة المكانية في بيئتها الحقيقية – أي من خلال موقعها وعلاقتها مع الظواهر المتشاركة معها في المكان - وهذا ما يسمى بمنهج البحث المنظومي Systematic Method Research . من هنا يبدو واضحا أن العمل بنظم المعلومات الجغرافية Geographic Information Systems ليس جديداً في البحث الجغرافي - من حيث الجوهر - بل إنه منهج متأصل قديم . غير أن الجديد هو اعتماد هذه النظم على المعلوماتية كأداة في تسريع العمل وزيادة دقته وتنوع عمليات الربط والتحليل التي لايمكن إنجازها عمليا دون الاستعانة بالتقنيات الحاسبية ، التي تضيف إنجازات جديدة كل يوم ، تفيد منها الجغرافية وسواها من العلوم .

وبالرغم من الاهتمام المبكر للجغرافيين بهذه النظم ، واشتغالهم بها منذ بداية انتشارها ، وإلى إشارة الإحصاءات الدولية إلى أن الجغرافيين يشكلون النسبة الأكبر من بين المستخدمين لهذه النظم (5) . إلاّ أن البعض الذين لا يروق لهم أن يروا الجغرافية في حلة متطورة ، يحاولون دون جدوى إسقاطها من حسابات العمل بنظم المعلومات الجغرافية ، مدعين أن الارتباط بين هذه النظم والجغرافية هو ارتباط لفظي ، وليس حقيقي ، ويذهب بعضهم إلى القول بأن صفة الارتباط بالموقع هي الجانب الجغرافي من المعطيات المدخلة ، بينما يقوم المهندسون وسواهم بالباقي !! . إن هذا التشبيه يُرجعنا إلى الفكرة المطروحة في المقدمة والتي يقول أصحابها أن الجغرافية علم متطفل على موائد الآخرين ( العلوم الأخرى ) ، وهم بذلك ينكرون متعمدين أو جاهلين مادة البحث الجغرافية ومنهج البحث الجغرافي التي تعطي للجغرافية هويتها ، ويتجاهلون كون الجغرافية أمّاً للعلوم المكانية بأكملها ، وأن تخصص علم ما بشيء من مكونات المكان ، لا يحرم الجغرافية من دراسة هذا الشيء من حيث نوعه وموقعه وحالته وتطوره وعلاقته بالمكونات الأخرى كجزء من المنظومة المكانية ، ومدى فائدة ذلك للإنسان .وينقل محمد عبد الجواد علي عن ستار وإيستس ، ما معناه أن ما يلقى قبولا جيدا وفائدة تطبيقية من فروع الجغرافية يسلخ عنها ، ويسمى باسم آخر ، أو يلحق بعلم آخر (6).

ويخطئ البعض عندما يطلقون على نظام المعلومات الجغرافية اسم نظام المعلومات الجغرافي ، لأن النظام المستخدم هو نظام معلوماتي ، بينما المعلومات هي الجغرافية لارتباطها بالمكان . ولكن هل نقول نظم أم نظام ؟ والجواب : يصح الوجهان ، فعندما نتحدث عن برمجية محددة في نظم المعلومات الجغرافية ، يمكن القول أن هذه البرمجية هي نظام معلومات جغرافية ، وعندما يدور الحديث عن مجموعة من البرمجيات الخاصة بالمعلومات الجغرافية ، يحسن أن نقول نظم. علما أن هذا لا ينفي فكرة أن النظام الواحد يتكون من برمجية ( حزمة برامج ) ، وأن هذه البرمجية تمثل أداة معلوماتية تساعد في إنجاز دراسة منظومية لظاهرة ما في مكان ما، وزمن محدد. فالنظام هنا نظام معلوماتي برمجي ، أدخلت إليه أدوات مساعدة على البحث المكاني المنظومي .


____________________________________________________________


1. خير ، صفوح : الجغرافية طبيعتها ومناهجها ، دار الفكر ، دمشق 2000 م ، 450 ص

2. محمد ، بهجات : الجغرافية العربية والتغيرات المنهجية والتكنولوجية ، الملتقى الثاني للجغرافيين العرب ، القاهرة 2000 م.

3. العنقري ، خالد محمد: تطبيق نظم المعلومات الجغرافية ( دراسة تحليلية ) رسائل جامعية ، الجمعية الجغرافية الكويتية ، 1410 هـ - 1990 م .

4. محمد ، بهجات : بعض التطبيقات المعلوماتية في الجغرافية ، جامعة دمشق 2000 م.

5. الخزامي عزيز ، محمد : نظم المعلومات الجغرافية ، أساسيات وتطبيقات للجغرافيين ، دار المعارف – الاسكندرية ، الطبعة الثانية 2000 م .




مشكلات نمو المدن

المقدمة :


الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أله الطيبين الطاهرين,وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وبعد.

بحثي هذا بعنوان( مشكلات نمو المدن( ومن خلال بحثي تناولت عدة نقاط رئيسية ومن أهمها:ما هي الحضرية، نشأة المدن وتطورها في العالم الإسلامي، خصائص المدينة الإسلامية، أهم أسباب المشكلات التي تعاني منها المدن، وأخيرا أهم المشكلات التي تعاني منها المدن

وقد استعنت في ذلك بمراجع أفادتني كثيرا في التوصل إلى أهم المشكلات التي تعاني منها المدن الإسلامية , ولكن واجهة بعض الصعوبات في هذا البحث وهو قلة المراجع والمصادر ولكن الحمد الله توفقت في كتابة هذا البحث, وحاولت جهدي الموضوعية وأتباع المنهج الوصفي التحليلي. وحرصت على صياغة بحثي بطريقة سهلة موجزة آمل أن ترضى كل قارئ.



الموضوع :

في بداية تقرير سأتناول تعريف بسيط عن هاهي الحضرية ؟

تعرف ظاهرة سكنى المدن باسم الحضرية Urbanization ويشار إليها بتعريفات عدة. فهي عبارة عن عدد أو نسبة سكان المدن إلى الإجمالي السكان، وهي من ناحية أخرى عبارة عن نسبة نمو سكان المدن إلى أجمالي السكان، أو نمو عدد سكان المدن إلى إجمالي السكان. كما تعرف من ناحية ثالثة بالعملية الاجتماعية التي تدخل المدينة عن طريقها إلى السكان، إلى جانب تعريفا بالانتشار الطبيعي للأرض المدينة.

ويستخدم الكثير من المؤلفين لفظة الحضرية أحيانا دون تحديد لها على الإطلاق، كما يخلطون بين الحضرية الطبيعية ونمو السكان. فكثير من مراكز المدينة تتميز بتوسع سكاني دون أي ارتباط بالتوسع المدني. ومن هنا لا يعد النمو السكاني مؤشرا جيدا على النمو المدني إذا ما اقتصر الأخير على التوسع في الأرض بدرجة أكبر من ازدياد السكان.



نشأة المدن وتطورها في العالم الإسلامي:

تعتبر المدن من الملامح القديمة في العالم الإسلامي، وبخاصة جزءه المعروف بالشرق الأوسط فمنذ ثلاثة آلاف سنة كانت المراكز المدينة في ممفيس وطيبة ونينوى قد ظهرت وسكنت معتمدة على حضارة وادي النيل ونهري دجلة والفرات. ورغم انهيار هذه المراكز المدينة الحضارات القديمة مع مرور الزمن فأن فكرة المدينة انتشرت في حوض البحر المتوسط وأفريقيا الشمالية خلال العصور الفرعونية واليونانية والرومانية في بعض المراكز الإسلامية فيما بعد مثل بغداد ودمشق والقاهرة.

وخلال العصور الوسطي تميزت منطقة العالم الإسلامي بحضارة مدينة امتدت من فاس إلى دمشق بحيث عدة القاهرة في القرن الرابع عشر الميلادي أعظم مدن العلم ازدهارا وحققت حجما بلغ نصف مليون نسمة في وقت كانت فيه المدن الأوربية الكبيرة لا يزيد عن عشر هذا الحجم.

أما القرن السبع والثامن عشر فقد كانا فترة تناقص بالنسبة لمعظم المدن الإسلامية ولم تبدأ هذه المدن في التوسع ثانية إلا في الجز الأخير من القرن التاسع عشر في هذه الفترة أخذت المدن تنمو بدرجة متزايدة مما أدى إلى توسع العديد من المدن القديمة والى ظهور مدن جديدة.

وتفسر التغيرات التي طرأت على مدن العالم الإسلامي خلال العصور المختلفة بمجموعة من العوامل تختلف من فترة زمنية إلى فترة أخرى على النحو التالي :

1) تتابع الحضارات: ففي العصور القديمة لعبة التغيرات السياسية الدور الأكبر في مصائر مدن المنطقة

خاصة بسبب تتابع الحضارات من الفرعونية إلى اليونان فالرومانية والعربية. كذلك كان لتغير الحكام المسلمين في العصور الوسطي أثرة الواضح في التقلبات التي أصابت أقطار بعض المدن مثل مدينة دمشق في العهد الأموي، ومدينة بغداد في العهد العباسي.

2) الموقع الجغرافي: الممتاز للعالم الإسلامي بين القارات الثلاث الكبرى خاصة منطقة الشرق الأوسط منه أحاطته بمناطق صالحة للملاحة والمرور من البحار والصحراوات وقد تسبب هذا الموقع في قيام علاقات تجارية واسعة بين أجزائه الواسعة المختلفة وكان للتجارة منذ أقدم العصور دور هام في شؤون العالم الإسلامي انعكس على النمو الحضري.

3) الظروف الجغرافية: للعلم الإسلامي، وبخاصة قلة المياه أو ملوحتها. فقد أدت هذه الظروف إلى إجبار السكان على التجمع في مواضع قليلة يمكن الحصول فيها على المياه.

4) العامل الديني: فقد ارتبطت الحياة الدينية_ إلى حد كبير _ بالمدن والبلدان أساسا كما يظهر في القدس ومكة المكرمة وغيرها من المدن الدينية في العراق وإيران

5) الزيادة الطبيعية للسكان: التي تلعب دورا هاما في النمو المدني لمعظم المدن الكبرى بسبب عادة المواليد المرتفعة التي تظل موجودة بين سكان العالم الإسلامي.



خصائص المدينة الإسلامية :

يعتقد البعض أن تعبير المدينة الإسلامية تعبير فضفاض، لأن الطابع المحلي كان يميز كل جزء من أجزاء العالم الإسلامي. وهذا الطابع المحلي يرجع إلى التباين في المناخ والتربة والتراث الحضاري ونظم التجارة المختلفة. وعلى أساس الطابع المحلى يقسم العالم الإسلامي إلى قسمين :

• الغربي وقد شهد تراثا يونانيا ورومانيا وتأثر بوقوعه بين البحر المتوسط والصحراء.

• والشرقي وفيه تظهر آثار الحضارتين الإيرانية والهندية وفي كل من القسمين يمكن التعرف على أقسام فرعية مثلما هو الحال في مدن وادي النيل ذات الطابع الخاص الذي يميزها عن مدن شمال أفريقيا وبلاد الشام.

وقد تميزت المدينة الإسلامية ولا تزال بأنها مراكز إشعاع للحضارة الإسلامية إلى جانب كونها مظهرا لهذا الحضارة نفسها. وقد حرص المسلون الأوائل على اختيار مواضع المدن الإسلامية وعلى توافر الشروط والمواصفات الضرورية لحياتها. ومن هنا جاءت هذه المدن متشابهة إلى حد كبير رغم بعد المسافات بينها وبين ساكنيها من العرب المسلمون.



أهم المشكلات التي تعاني منها المدن :

قبل أن أذكر المشكلات التي تعاني منها المدن سوف أتحدث عن أسباب ظهور هذه المشكلات :

لكل مستوطنة مدنية مشكلاتها الخاصة بها. وقد تنفرد بعض المدن بمشكلة معينة بينما تتشابه معظم المدن في أغلب الأحيان في مشكلاتها وإن اختلفت مسبباتها وأحجامها. وقد أدى النمو المتزايد للمدن في العصر الحديث سواء من حيث الحجم أو الامتداد المساحي إلى مضاعفة المشكلات التي تعاني منها المدن، وإلى ظهور مشكلات جديدة غيرها.



ومن أبرز المشكلات المدينة في العصر الحديث نقص كميات المياه وخاصة مياه الشرب والغذاء عن تلبية احتياجات السكان، وطول مدة زمن الرحلة وتعقيدها خاصة في ساعات الذروة بين أطراف وهوامش المدينة إلى الناطق المركزية فيها بسبب الأتساع المفرط في مساحاتها والامتدادات الهامشية المتزايدة لها، وما ينجم عن ذلك من تعقد حركة في المدن الكبرى.

ومن هذه المشكلات أيضا فقد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الجيدة الصالحة للإنتاج بسبب طغيان حركة البناء في هوامش المدن، ومنها انتشار المناطق القديمة والأحياء الفقيرة الكالحة في بعض أجزاء المدينة خاصة في المنطقة الوسطي منها، إلى جانب تلوث بيئة المدن بسبب كثرة المصانع التي تفسد الهواء بدخانها أو كثرة عدد السيارات التي تنفث الغازات السامة من أجسامها أثناء جريانها في شوارع المدن. أو صعوبة التخلص من الفضلات والقاذورات خاصة البقايا الصلبة. وتنتج معظم هذه المشكلات من ضعف السلطات المحلية وعجزها عن القيام بالأشراف الكامل على المدن التي تديرها.



1) ضواحي الأكواخ (أو مدن القصدير والصفيح) :

تعتبر ضواحي الأكواخ وأحياء القصدير والصفيح من أبر المشكلات التي تعاني منها مدن العالم الإسلامي وبخاصة المدن الكبرى فيه. وأن لكل مدينة صفيح تاريخا خاصا وطريقة تكونت من خلالها أحياؤها العشوائية . غير أن الطريقة الأغلب شيوعا هي (الغزو المفاجئ)التي أدت مثلا في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. وهي عبارة عن مستوطنات عفوية غير مخططو ويشار إليها بأسماء مختلفة عديدة مثل الباريداس Barriedas أو الهوامش والأطراف، والفافيلا Favelas ، والبوستيس Bustees كما تعرف باسم الجوكندو Gecekondu في تركيا وهي تعبر عن أوضاعها غير النظامية، وباسم مستوطنات وضع اليد المغتصبة في انجلترا، ويعرفها لارنرLerner مدن الصفيح المعلبة التي تبتلى بها كل المراكز المتروبوليتانية في كل الدول النامية بدءا من القاهرة حتى أقصى مدن الشرق وتعرف في العالم الإسلامي باسم (الصرايف) في العراق وباسم (أحياء القصدير) في المغرب العربي، وباسم (العشش) في مصر، وباسم (الصنادق) في شبة الجزيرة العربية.

ولهذه الضواحي وظيفة واحدة في أية مدينة توجد فيها، هي إيواء معظم القادمين الجدد الذين لا يمتلكون إلا موارد ضئيلة وليس لهم مكان آخر يذهبون إليه ويقدر عدد تضمهم هذه الضواحي بأكثر من ثلث إجمالي سكان المدن التي توجد فيها. وتبني الأكواخ والقصدير بطريقة عشوائية من مواد بناء فقيرة ، وتقوم على أرض مغتصبة لا سند لملكيتها مما يجعلها غير قادرة على مطالبة بمد الخدمات المدينة السياسية إليها كالمياه والمجاري. وهي تفتقر إلى الشوارع المرصوف، وإلى حماية الشرطة والدفاع المدني، وإن كانت الكهرباء عي المرفق الوحيد الموجود فيها بصورة أكثرا انتشارا وذلك لسهولة مد أسلاكها من ضاحية إلى أخرى.

وفي هذه الضواحي تزداد المشكلات الصحية بسبب التزاحم الشديد الذي يصل إلى نحو عشرين شخصا في الغرفة الواحدة، كما تنقص إمكانيات تصريف مياه المجاري والفضلات، وتتدهور الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية بسبب شدة البؤس وهجرة العاطلين من الريف هربا من بؤس مؤكد إلى غنى غير مؤكد.



2) مشكلة نقص المرافق والخدمات العامة:

وتعتبر هذه المشكلة من أخطر المشكلات التي تواجه المدن عامة والكبرى منها خاصة في الدول الفقيرة من العالم الإسلامي. فتزويد مدينة كبيرة بالمياه الكافية لاحتياجاتها يتطلب إحضارها من مسافات بعيدة بتكاليف مرتفعة جدا، وإنشاء شبكة كافية لتصريف مياه المجاري يعني نقل كميات كبيرة منها إلى أماكن بعيدة مكشوفة خالية ويتطلب رأسمال كبير وأعمال هندسية ضخمة وأيدي عاملة مدربة يصعب على السلطات المحلية توفيرها في أغلب الأحيان. كما أن خدمات النقل العام وانشاء الطرق العامة يجب النظر إليها كوحدة واحدة داخل المدن الكبرى وهو أمر يتطلب وسائل تكنولوجية حديثة لتنفيذها بحيث تتم حركة السفر والانتقال داخل المدينة وإقليمها معا بصورة تسهل المرور بين مركز المدينة وأطرافها.

وهذه الخدمات وأمثالها لابد أن تقوم بها الدولة عن طريق أجزتها المختلفة وسلطاتها المحلية في المحلية المدن، لأن القطاع الخاص لا يستطيع إلا بالكاد المساهمة في توفيرها ولا يرغب في توفيرها أصلا، بل أنه من جهة أخرى يشكل ضغطا على الدولة من أجل توفيرها وتهيئة الهياكل الرئيسية للخدمات التي تسهم بصورة مباشرة في منفعته الخاصة مثل طرق الجيدة والمواصلات. وبسبب كبر حجم المدن تصبح تكاليف الخدمات المدينة الأساسية أكبر من طاقة الأجهزة الحكومية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تهرب القطاع الخاص من دفع الضرائب العامة التي يمكن أن تساهم في سد جزء من الاعتمادات اللازمة لتنفيذ هذه الخدمات.



3) مشكلة البطالة:

وهو مرض اجتماعي ينتشر في كل المدن الكبرى في العالم الإسلامي . وتعتبر الدار البيضاء مثالا حيا على هذه المشكلة نظرا لضخامة البطالة فيها بدرجة كبيرة، وتظهر هذه المشكلة في مدينة القاهرة بصور شتى منها احتراف عدد من الوافدين للحرف الطفيلية كالباعة الجائلين وماسحي الأحذية، بينما تتحول الأغلبية إلى عاطلين يبحثون عن عمل.

الخاتمة :

في رأيي أنا على كل إنسان بذل جهد في القضاء أو الحد من هذه المشكلات لأنها ستكون عائق عليهم ، فبالعمل سوف تحل هذه المشكلة .

أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في اختيار التقرير ، وأن يستفيد منه القارئ .

______________________________________________________________________________   المصادر :

• السكن الحضري في العالم الثالث المشكلات والحلول، د/ محمد علي بهجت ، ناشر المعارف بالإسكندرية،1987.

• دراسات في مدن العالم الإسلامي، د/ السيد خالد المطري، دار النهضة العربية، بيروت، 1989.

اتجاهــات تطــور الفكــر الجغرافــي الحديـث

لم تكن المعارف والعلوم، وحتى عهد قريب، على ما هي عليه اليوم من تحديد لمفاهيمها، وتبلور في مناهجها، وتعريف بأساليبها ووسائلها.. ومن بينها (الجغرافية) والتي كانت تمثل خليطا من ادب الرحلات وكتب المسالك والممالك .. حتى قيض الله لها علماء ومفكرين، استطاعوا ان يؤسسوا قواعد خاصة بها، ومنهجا محددا


لها، تتميز به عن سواها من العلوم. ومن الملاحظ ، ان العصر الحديث، اتسم بظاهرة (التخصص) في المعرفة العلمية وقد صنفها فريق من الباحثين الى

1ـ العلوم الواقعية: وهي تلك التي تعتمد الحقائق والوقائع الملموسة والمحسوسة، ومنها: علوم الفيزياء، الاحياء، والجغرافية.

2 ـ العلوم الصورية/ وتتمثل في المعارف الفكرية، كالمنطق وعلم الكلام، والرياضيات، وتقوم على العلاقة والعدد.

وصنفها فريق اخر الى ثلاث مجموعات هي:

1 ـ العلوم الطبيعية: وتشمل علوم الفيزياء، الكيمياء، والاحياء.

2 ـ العلوم الانسانية: ومن بينها العلوم الاجتماعية والاقصادية.

3 ـ العلوم الصورية: وهي التي سبق الاشارة اليها، كالمنطق ، والرياضيات.

وبينما تتميز المجموعة الاولى، بخضوعها للقياس والتجربة والدقة في نتائجها، تعتمد الثانية القوانين (الاحتمالية) فيما تتم الاستعانة بالمجموعة الثالثة للبرهنة وفحص نتائج العلوم الاخرى.

ومثلما تختلف العلوم والمعارف في تصنيفاتها، تتباين ايضا في مناهجها. وثمة منهجان للوصول الى الحقائق العلمية هما:

1 ـ المنهج الاستنباطي (deductive method) ويعتمد فيه الباحث على الاستنتاج العقلي في الوصول الى الحقيقة. ويستلزم القدرة على التنبؤ والتخمين. ويقوم هذا المنهج على القياس. وينتقل في ضوئه من النظرية الى الواقع ومن الكليات الى الجزئيات.

2 ـ المنهج الاستقرائي (inductive method) ويتمثل هذا المنهج بملاحظة وملاحقة عناصر الظاهرة، موضوعة البحث ومكوناتها وصولا الى تكوين انطباع عام عن متغيراتها. فالباحث في ظل هذا المنهج يركز على (الحواس) و(التجربة) اكثر من (الحدس) و(التصور) كما يقوم على الجزئيات وصولا الى قانون شامل

وعلم الجغرافية شأنه شأن الكثير من العلوم، شهد مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي تغيرات نوعية شاملة ليس فقط في المفهوم والمنهج بل وفي الاهداف والوسائل ايضا لاسيما بعد الجهود المتميزة لكل من (ريتر Ritter) (1779- 1859م) وهمبولت (1769- 1859م) (Humboldt). وقد تمحورت دراسات الاول حول الارض كوحدة مستقلة مؤكدا على ان الجغرافية علم تجريبي (ميداني) ومن ثم يمكن للجغرافيين الوصول الى النظريات والقوانين من خلال تجميد الحقائق ذات العلاقة بالعناصر الجغرافية المختلفة. وايجاد العناصر مشددا على الجغرافية العامة (الاصولية Systemtics) بخلاف صاحبه (ريتر) الذي اكد على الجغرافية الاقليمية وبينما كان الاسلوب الذي اتخذه رتير : بنائيا تحليليا تمثل بوصف مكونات الاقليم وعناصره وصولا الى تحليل الظاهرة الجغرافية ، فان اتجاهات همبولت كانت تحليلية بنائية مركزا على العلاقة بين الظواهر الجغرافية المختلفة.

وفي فترة تالية، ساهم كل من (راتزل Rattzel) في كتابه المشهور الانثروجيوغرافي Anthrogeography (1882م) الذي يمثل مرحلة مهمة في المعرفة الجغرافية وفيدال دي لابلاش V.De Lablashe في كتابه: اصول الجغرافية البشرية (1922م) . اما هنتر Hettner (1859 ـ 1941) فقد اهتم بالدراسات الاقليمية وبالجغرافية الاصولية معا مؤكدا على عدم الفصل بينهما وان بالامكان البحث في الدراسات الاقليمية في ظل دراسة التباينات المكانية مثلما يستلزم البحث في الدراسات العامة (الاصولية) لاية ظاهرة جغرافية تناول علاقتها الاقليمية ومع ذلك فان اصحاب مدرسة الموقع ظلوا يتبنون مفهوم الجغرافية على انها علم التوزيعات المكانية وبان الموقع هو قاعدة البحث الجغرافي فيما يرى هارتشورن Hartshorne .

ان اهتمام الجغرافي يتمثل في تفسير وتباين differentition الظواهر الجغرافية على سطح الارض، وبات الاقليم هو محور الدراسات الجغرافية.

لقد شهد الفكر الجغرافي تغيرات ليس في المحتوى والمضمون، وحسب، بل وفي مفهوم علم الجغرافية ايضا. ففي الوقت الذي اصر فيه العديد من الجغرافيين على ضرورة وضع تعريف محدد لعلم الجغرافية ليحافظوا على وجودهم، ويحولوا دون تجاوزهم الى سواهم من العلوم الاخرى، فان جغرافيين اخرين، يرون في مثل هذا التحديد (تجميد) للفكر الجغرافي و (تحجيم) لدور الجغرافيين في التفاعل مع الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم في الوقت الحاضر، وحتى اولئك الجغرافيين الذين يميلون الى تحديد مفهوم علم الجغرافية يختلفون فيما بينهم حيث يرى هارتشورن: (ان الجغرافية دراسة اعمال الجغرافيين في الماضي) وهذا يعني السير على ذات المنهج القديم في الدراسات الجغرافية معتمدين في ذلك على المنهج الاستقرائي، يرى اخرون مثل (بينج) اهمال ما كتبه الجغرافيون السابقون والتوكيد على ما ينبغي ان تكون عليه الجغرافية وهو ما يعني الالتزام بالمنهج الاستنتاجي

من جانب اخر عانى الجغرافيون فترة ليست بالقصيرة من ظاهرة (الازدواجية) بين الدراسات الطبيعية والدراسات البشرية بحيث خلقت تباعدا اخذ يزداد مع الزمن بين الجغرافية الطبيعية والجغرافية البشرية.. بيد ان تطور المعرفة الجغرافية واتساعها ساهما في توجه الجغرافيين الى تجاوز تلك الظاهرة من خلال التركيز على (العلاقات) و(الروابط) بين العناصر الجغرافية (الطبيعية منها والبشرية) الامر الذي ادى بالنتيجة الى دراسة مثل تلك العناصر ككل متكامل.. فدراسة المناخ او الموارد المائية لا تستثني الانسان كوسيلة وهدف، مثلما تسهم الدراسات الخاصة بالزراعة او النقل او السكان من البحث في دور العوامل الطبيعية في متغيراتها.

ويمكن القول ان الفكر الجغرافي الحديث، تجلى عن اهتمام متزايد بالانسان ونشاطاته مع الاحتفاض بـ (المكان Space) قاعدة للدراسات الجغرافية الذي اخذ يميل الى (التحجيم) في مثل تلك الدراسات. كما ظهرت اتجاهات واسعة تؤكد على الجانب العمودي من نشاطات الانسان اكثر منه في الجانب الافقي . ومن هنا احتلت دراسة (الوحدات) الاولوية عند الجغرافيين فالجبال والسهول والانهار وكذلك الصخور هي (وحدات) طبيعية مثلما تشكل: القرى، المدن، طرق النقل.. (وحدات) بشرية تناولها الجغرافيون ككل متكامل وليست كاجزاء منفصلة فالمدينة وحدة جغرافية يمكن تجزأتها الى وحدات اصغر منها، كالاحياء والمحلات.. وكذلك القرية بل ان (الحي) الواحد او (المحلة) الواحدة يمكن ان تمثل وحدة قابلة للدراسة لانها قابلة للتجزئة.. بيد ان الغرفة ليست كذلك كما يمكن للجغرافي دراسة (الغابة) دون الشجرة التي هي من اختصاص (عالم النبات) وكذلك دراسة (الحيوان) من اختصاص عالم الحيوان، فيما يمكن الجغرافي دراسة الحيوانات، ومثل ذلك في دراسة للصخور من حيث تركيبها وتوزيعها وعلاقتها بعناصر سطح الارض. اما دراسة (الصخرة) فهي من اختصاص الجيولوجيا. وهكذا يمارس الجغرافي دوره في دراسة السكان فيما يتولى غيره دراسة (الانسان).


الاستاذ .منصور القصراوي